تهتم هذه الدراسة بإنتاج المعرفة عبر النقد، والتمييز بين (المثقف – الانتلجنسيا – المثقف العضوي – المثقف العمومي)، وتتواصل الدراسة لتبين الفرق بين المثقف العامل بمجال معرفي يستثمر فيه نشاطه الذهني، والأكاديمي المتخصص في مجاله، والفاعل الاجتماعي المهتم بمجالات عديدة دون التعمق في أحدها، لتنتهي بالتفرقة بين المثقف وبقية أفراد المجتمع. وتوضح الدراسة أن سبب التسمية بـ "مثقف" هي قدرته على تحديد موقفه بناءً على قاعدة معرفية. وفي علاقة المثقف بالثورة، يفرق عزمي بشارة بين المثقف الثوري الذي يحافظ على مسافة نقدية ليس تجاه النظام فقط بل والثورة أيضًا، والمثقف المحافظ القادر على شرح ضرورة الحفاظ على النظام وتقاليده وإمكانية التغيير القائمة فيه.
كلمة مثقّف لا تقتصر على الفقهاء والأئمة الذين يأمرون السلاطين بالمعروف وينهونهم عن المنكر أو حتى من يبررون لهم ما يفعلونه تبريرًا دينيّا -وهو ما يعرف اليوم بالإسلام السياسي -ولا يقتصر وصف المثقف على من يُعرفون بـِ (أهل العلم) المتخصصين في الفقه ويقومون بنقد القادة والعامة؛ فالشعراء الذين كانوا يتوجهون للسلاطين بالمدح أو الهجاء ليسوا من رجال الدين، ولكننا يمكن أن نطلق عليهم ما يُعرف اليوم بالـ (علمانيين).
وبالطبع لم تؤخذ كلمة "مثقف" من هذه المرحلة، فهي مشتقة من كلمة " intellectual” التي أطلقت في ذلك الوقت على العاملين في مجال الفكر والأدب، ثم بعد ذلك أخذت تُطلَق على الذين اتخذوا مواقف من الشأن العام في فرنسا بصفتهم (مثقفين). واستُخدمت لاحقًا في وصف دور إميل زولا ومن معه من مثقفين الذين وقَّعوا على عريضة تعترض على العداء للسامية الذي رافق محاكمة الضابط اليهودي "درايفوس" وفبركة الأدلة في محاكمته.
ويوازي هذا المصطلح مصطلح "انتلجنتسيا" بالروسية، الذي يرتبط برفض الوضع السائد وتغييره بناءً على نظرة الشعب. والمشترك بين المصطلحين هو رفض الوضع القائم، وتقديم النظرة النقدية. وقد نتج عن ذلك: التمييز بين دور المثقف المنشغل بالشأن العام، والمثقف التِّقني المتخصص في مجاله والغير مكترث بالشأن العام.
وقد انتشر مصطلح "انتلجنتسيا" للتعبير عن فئة المتعلمين المتخصصين في مجال التفكير كمهنة، كالصحفيين والمهندسين وعلماء مجالات المعرفة، أي الذين يقدمون إنتاجًا معرفيًا، فكريًا كان أو أدبيًا، بشرط أن يتخذوا مواقف من المجتمع والدولة والشأن العام ككل، ولكن هذا التمييز تمييز حال؛ فالأصل أن المصلح الأول كان يطلق على معارضي فرنسا، واللفظ الثاني يُطلق على الناشط النقدي (التنويري/الاشتراكي/القومي) في روسيا.
وكذلك نشأ على يد غرامشي في كتابه (دفاتر السجن) مصطلح جديد هو "المثقف العضوي"، ويقصد به المثقفين الأيديولوجيين المنحازين إلى طبقة أو فئة اجتماعية، والمطلعين على الفكر والثقافة السائدين في المجتمع. ولم يقصد غرامشي بالمثقف العضوي المثقف الحزبي الذي لا يفقه إلا أيديولوجيته، وإنما يقصد ذلك المثقف (الحزبي أو غير الحزبي) القادر على تبيين أن الواقع الإجتماعي القائم غير طبيعي، ويمكنه التغيير عتدما يستطيع قادرا على قراءة واقعه ونقده وإظهار عيوبه. وقد أثار ذلك المصطلح ضجة في الأوساط الشيوعية تحديدًا، واهتم به مثقفون يساريون، ولاحقًا ما بعد حداثيون. فقد كانت فكرة غرامشي توفيقًا بين الحركة الشيوعية -التي يقودها مجموعة من المثقفين -، وفكرها. وقد اندلعت الثورة الاشتراكية ضد كتاب (رأس المال) في مجتمعات غير رأسمالية، فانهار النظام القيصري، بينما تطورت في المجتمعات الرأسمالية المتطورة طبقة وسطى "انتلجنسيا"، وطورت خطوطًا دفاعية بقوة ما أسماه غرامشي "المجتمع المدني القادر على احتواء المثقفين كأدواته الأيديولوجية".
وأخيرًا المثقف العمومي، وهو ذلك المتخصص صاحب الثقافة الواسعة الذي يكتب وينتج بلغة سهلة مفهومة لعموم الناس عن قضايا تهم المجتمع والدول بشكل عام، ويساهم في هذا الفضاء من منطلقه؛ فلا تخلو مساهمته من مواقف، فهو ذلك المثقف الذي يؤدي دورًا في الشأن العام بسبب كونه مثقفًا. وفي هذه الدراسة كلمة "مثقف" تشير إلى المثقف العمومي، ولا يشترط هنا أن يكون مثقفًا ثوريًا أو نقديًا كما سنرى.
من ضمن هذه الإشكاليات تمييز المثقف من العامل العادي، وتمييزه من الأكاديمي المتخصص في مجال واحد، وتمييزه من الفاعل اجتماعيًا في مجالات عديدة دون التعمق في أحد المجالات. يعرّف إدوارد شيلز المثقف فيقول: "المثقفون في أي مجتمع هم مجموعة من الأشخاص الذين يوظفون في معاملاتهم وعباراتهم رموزًا عامة ومرجعيات مجردة متعلقة بالإنسان والطبيعة والكون بكثافة أكثر من أفراد المجتمع الآخرين". فهنا يظهر المثقفون على أنهم فلاسفة المجتمع والشأن العام.
وهناك إشكالية أهم، وهي: هل المثقف يجب بالضرورة أن يكون نقديًّا، أم يمكن أن يكون متفقًا (المثقف المحافظ)؟
كان الفلاسفة قديمًا ينتقلون من العام إلى الخاص، ولكن طبيعة عصرنا فرضت العكس، فأصبح المثقف ينتقل من الخاص إلى العام، أي من معرفة موضوع بعمق إلى تجاوز حدوده والإحاطة بعدة مجالات إحاطة كافية، وتكوين نزعة أخلاقية تدفعه إلى اتخاذ مواقف عمومية. ونذكر هنا قول أرسطو: "إنَّ من يعرف شيئًا واحدًا فهو لا يعرف شيئًا"، ويضيف الكاتب أن من يريد أن يعرف الكثير، يجب أن يعرف على الأقل شيئًا واحدًا بتعمق، فمقولة "خذ من كل بستان زهرة" لا تكفي، فيجب على المثقف أن تكون معرفته كافية لتمكنه من اتخاذ مواقف كما عرَّفناه من قبل.
وكرد على الإشكالية، يشترط فقط في المثقف أن تكون نظرته قادرة على التعميم وتشكيل فكرة عامة عن قضايا المجتمع ككل بناءً على معرفته وموقفه الأخلاقي، وإذا كان هذا معناه أن نظرته يجب أن تكون نقدية، فهذا صحيح، ولكن بشرط عدم تحديد معنى الموقف النقدي، وسنتبين لاحقًا أن الموقف النقدي قد يكون ثوريًّا وقد يكون محافظًا.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان